السياق العرفاني للفن الصوفي
Description
يمثل الفن المقدرة على عرض الجماليات بإبداع أوجه تعبير مختلفة من شعر، ورواية، رسم، نحت، معمار، حرف، موسيقى، غناء، تمثيل، أو رقص.
فهو تعبير عن فلسفة حياة تصل إليها جماعة بشرية، وتفرزها عادتها بعد تراكم زمني وامتزاج ثقافي مع الغير، فيغدو وسيلة للتعبير والتعريف؛ كما هو وسيلة للتسلية والترفيه.
فالفن يمثل الحالة الإنسانية حين الإبداع، والخبرة التأويلية للأفكار، وإشباع الوجدان المعرفي والشعوري، في سعي لتأويل واقع أو التعبير عن أفكار وطرح إشكاليات أو تجلي الشخصية الباطنية في أذواقها الظاهرة.
أوائل الفنون التي كان الفلاسفة والحكماء والمبدعون يجتهدون لاكتسابها هي: فن الخطاب وكسب قلوب الناس بالتعابير البراقة الملهمة للوجدان والمحركة للأذهان.
اقتضى فن التعبير تعلم أساليب البلاغة ونظم الكلام وإلقاء الشعر والتفاعل مع الأمثال والحكم، والتفنن في التناسق الحركي مع الخطاب الكلامي، والإبداع في كتابة الروايات والقصص، وعرض الأفكار في صورة قصصية أو روائية أو تصوير يدوي مجسم أو مخطوط، ليكون لبعضها عرض مسرحي، أو الاستعانة بالموسيقى لإحداث الأثر الإيقاعي المتناسق مع الكلمات الخطابية. باعتمادهم الفن كوسيلة لإيصال رسالة في قالب جمالي مبدع. فهو سعي لتقليد الحقيقة، وإبراز أهمية الأشياء داخليا، لأن الحقيقة كامنة تتجلى بطلبها. وأعظم الفنون نبلا - لدى الحكماء والفلاسفة والمفكرين- هي المحركة للسرور العقلي والمشاعر.
لأجل ذلك ربط أهل الطريقِ العرفانَ بالوجدان؛ في سعيهم وقراءاتهم الكونية للسيرورة الإنسانية نحو سبر مكنونات الإنسان الكمونية، فتوسلوا في الفنون عرض مقاصدهم وإنزال مرادهم العرفاني، والتي تمظهرت بقيام دولا كبرى للصوفية؛ اصطبغت فنونها المعمارية والخطابية والأدبية والدبلوماسية والموسيقية والحرفية بمعالم التصوف، بصفتها أصول قراءة الكون والحياة لديهم.
فبرز وتطور السماع الصوفي، ثم الموسيقى والأناشيد الصوفية، والعمارة الصوفية مع الرسم والخط والزخرفة، إلى الأدب الصوفي شعرا ونثرا وقصصا وحكما وغيرها. وأثرت لغة ومفردات الصوفية على الفنون الأدبية والمعمارية والحرفية.
لأن مناط تحصيل المعرفة الصوفية قائم على الذوق والتجربة ثم عرضها بكلم رامز، أو التمثيل لها بالقصص والحكم والتصوير التخيلي، فكان طريق الصوفي باحثا في جماليات الذوق الكامنة خلف المظاهر، سعيا لكشف الحقائق الراقية للقلوب. فقارب مناهج ترسيم الفنون وتقييمها، وناسب خطابها ورسائلها وقالب عرضها في مناح كثيرة.
وهو ما تجسد في دول السلاجقة والأيوبيين والمماليك والعثمانيين، ودول المغرب العربي ودول الأندلس وغيرهم، فقد زخرت حضارتهم بالنماذج الفنية ذات الصبغة الصوفية، لغلبة الدين على مجتمعاتها في مناحيه المعيشية والسياسية والفكرية والسلوكية، فاصطبغت به الأعراف والعادات والثقافات، وتجلى ذلك في لغتها ومناهج تفكيرها وحركة مجتمعاتها ومرجعياتها الفكرية والثقافية والعرفية، وفنونها.
- الكلمات المفتاحية: العرفان، التصوف، الفن، الخيال الفني، الذوق الصوفي.
Files
السياق العرفاني للفن الصوفي.pdf
Files
(1.3 MB)
Name | Size | Download all |
---|---|---|
md5:a6db6c43230d8325b667d7cc20da8444
|
1.3 MB | Preview Download |