تأصيل نظرية "المعروف" في الشريعة الإسلامية وتوثيق صلتها بنظرية "العرف" في الفقه الإسلامي

مَنْ يطالعْ كتب الفقه الإسلامي يلفتْ نظرَه الاستدلالُ بالعرف والعوائد في كثير من المواضع، وفي مباحث تخصيص العام من كتب أصول الفقه يذكر العلماء مسألة تخصيص اللفظ العامّ بالعرف أو العادة، وأكثر كتب الأصول المتأخرة والحديثة تفرد الكلام عن العرف على أنه أحد المصادر الاجتهادية التبعية للفقه الإسلامي، بل إنّ بعض كبار العلماء بلغ بهذا المصدر إلى مستوى النظرية، كما فعل الدكتور أحمد فهمي أبو سنة -رحمه الله- في رسالته (العرف والعادة في رأي الفقهاء عرض نظرية في التشريع الإسلامي)^([1])، والشيخ مصطفى الزرقا -رحمه الله- في باب (نظرية العرف) من كتابه القيّم (المدخل الفقهي العام)^([2]).

وأقول: حُقّ للعرف أن تكون له نظرية متكاملة، ولكن الأمر المستغرب ندرة استعمال كتب الفقه والأصول مصطلح (المعروف)، مع كثرة وروده في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية.

* مشكلة البحث وتساؤلاته: هنا يأتي الاستشكال: أليس مصطلح المعروف أحق بأن تكون له نظرية متكاملة، وأن يُشاع استعماله أكثر من العرف؟!

وعليه، فإن أهم التساؤلات التي يسعى البحث للإجابة عنها ما يأتي:

- هل دلالات كلمة "معروف" في النصوص الشرعية واحدة أو متعددة؟

- وإذا كانت متعددة، فهل يتطابق بعضها مع دلالة العرف المتفق عليها؟

- هل للمعروف نظرية في الاستعمال الشرعي في القرآن والسنة؟

- وإذا كانت الإجابة بنعم، فهل لها معالم بارزة يمكن تحديدها وضبطها؟

- وإذا كان لها معالم وضوابط، فما صلتها بنظرية المعروف؟  

* أهداف البحث:

للبحث أهداف رئيسة وأهداف تابعة. وأهدافه الرئيسة اثنان:

1- استنباط نظرية شرعية متكاملة لاستعمالات مصطلح "المعروف"، من خلال نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية.        

2- توثيق الصلة بين نظرية المعروف ونظرية العرف، اتفاقاً واختلافاً.

وكل ما عدا هذين الهدفين، من الإجابة عن التساؤلات الواردة في الفقرة السابقة، هو هدف تابع لأحدهما أو مكمّل للبحث من دونهما؛ لأن بنيان الموضوع لا يتم إلا به.

([1]) وهي أول رسالة لنيل (الدكتوراه) في الشريعة الإسلامية من جامعة الأزهر بمصر، سنة (1941م).

([2]) كتب الشيخ الزرقا عن العرف فصلاً قصيراً، في الباب الثاني (مصادر الفقه الإسلامي)، من القسم الأول، في الطبعتين الأوليين للكتاب، ولما اكتمل الكتاب بطبعته الثالثة (1952م)،

خصص الباب التاسع لنظرية العرف.

جاء البحث في ستة مطالب، سوى المقدمة والخاتمة.

فأما المقدمة، فقد بين فيها الباحث مشكلة البحث وتساؤلاته وأهدافه ومنهجية بحثه وخطته.

وكان المطلب الأول لبيان دَلالات كلمة (المعروف) لغة وشرعاً. والثاني عرضت فيه شواهد معاني (المَعْروف) شرعاً. والثالث جاء ليبرز معالم نظرية (المعروف) في الشريعة الإسلامية. والرابع لبيان حقيقة العُـرْف لغة واصطلاحاً. والخامس لتحديد ركنُ العرفِ وبيان شروطُه. والسادس لاستخلاص مواطن الاتفاق والافتراق بين نظريتي المعروف والعرف.

ثم جاءت الخاتمة في فرعين؛ الأول لعرض أهم النتائج، ومنها: 

- للمعروف ثلاثة معانٍ في النصوص الشرعية؛ الأول: بمعنى الواجب أو المندوب إليه، الذي أمر به الشرع. الثاني: بمعنى عمل الخير أو الإحسان إلى الغير بنحو عام. الثالث: بمعنى العُرْف الموافق للشرع.

- للعرف معنى واحد هو اعتياد الناس في بلاد واسعة أو إقليم من الأرض، على فهم قول أو فعل أو إشارة، بنحو يكون هو المتبادر إلى أذهانهم، ولا يخالف نصاً أو إجماعاً.  

والثاني لتسجيل أهم المقترحات والتوصيات، وهي:

- اقتراح بأن تُشاع استعمالات معاني المعروف بين العلماء وطلبة العلم؛ لأنه مصطلح قرآني آثر القرآن استعماله، دون إلغاء مصطلح العرف الذي استقر عند الفقهاء والأصوليين.

- توصية الجهات البحثية الشرعية باتخاذ المنهج الاستقرائي المقارن لدراسات مشابهة في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم والسنة النبوية، لاستخلاص نظريات مماثلة.

الكلمات المفتاحية: تأصيل، نظرية، المعروف، العرف.